الإصحاح الرابع والعشرون
هناك خط عام يتضح في قصة حياة إبراهيم يشرح قصة الخلاص
1. إختيار إبراهيم ليكون أباً للشعب الذي سيأتي منه المسيح وإعداده بدعوته للخروج وهذا يشمل الإصحاحات (12-17).
2. الوعد بالنسل من سارة (إصحاح 18) وإعلان عقوبة سدوم وعمورة إعلاناً لهلاك الشر ودينونة عدو الخير.
3. تنفيذ الدينونة في الأشرار فعلاً (إصحاح 19).
4. ولادة اسحق رمز المسيح (إصحاح 21).
5. تقديم إسحق ذبيحة ورجوعه حياً إعلان عن حمل الصليب (إصحاح 22).
6. موت سارة (إصحاح 23) وسارة تمثل الكنيسة اليهودية التي كان يجب أن تموت وينتهي دورها قبل ان يخطب المسيح لنفسه كنيسته.
7. هذا الإصحاح (24) يعلن خطبة المسيح وإقترانه بكنيسته. وإرسال كبير بيت إبراهيم لإحضار رفقة زوجة لإسحق من مدينة ناحور بحاران فيشير إلي عمل الروح القدس الذي إجتذب الأمم من أرضهم الشريرة (عبادتهم للأوثان) ليقيمها لإسحق الحقيقي ربنا يسوع المسيح عروساً يتعزي بها عوضاً عن أمه سارة = عوضاً عن الأمة اليهودية التي رفضته وصلبته. ولنلاحظ أنه إذا كان الوحي قد أفرد إصحاحاً كاملاً بهذا الطول ليحكي لنا قصة إختيار زوجة لإسحق ولم يحكي لنا كيف إختار إبراهيم زوجته مثلاً. فهذا يشير لإهتمام الروح القدس ليس بتاريخ زواج إسحق نفسه إنما بكونه رمزاً لما حدث بين المسيح وكنيسته. ونلاحظ أن إبراهيم كان الأفضل له سياسياً ان يزوج إبنه من ابنة احد رؤساء القبائل من حوله فيضمن الإستقرار وسطهم لكنه أصر علي تزويجه من عائلته التي كانت تعبد الله، لكن للأسف كان قد تسلل إليها نوع من الوثنية كالتفاؤل بالتماثيل (الترافيم) التي كانوا يعتقدون أن لها شفاعة أو وساطة لدي الله لكنهم أي عائلة إبراهيم لم يكونوا ببشاعة أهل كنعان الذين كانوا في طريق الخراب بل كانوا أفضل كثيراً جداً. ولو فهمنا أن كبير بيت إبراهيم يرمز للروح القدس فنفهم لماذا لم يذكر إسمه هنا وقد سبق أن ذكره إبراهيم من قبل في 2:15 وهو لعازر الدمشقي. لكن لماذا لم يذكر هنا؟ لنفهم ذلك نرجع إلي يو 13:16-15 فالروح القدس الآن لا يتكلم عن نفسه بل هو يشهد للمسيح ليمجده. وهكذا يجب أن يكون كل خدام المسيح " لا يتكلمون عن أنفسهم بل يكون همهم هو الشهادة للمسيح."
أية 2:
" 2 وقال ابراهيم لعبده كبير بيته المستولي على كل ما كان له ضع يدك تحت فخذي "
نلاحظ هنا ان هناك مشاورات بين إبراهيم وكبير بيته وهناك قسم وتشديد علي أن يتزوج إسحق رفقة، كل هذا ورفقة لا تعلم شيئاً. وهذا يشير لاهتمام الله بخلاصنا وأن هناك مشاورات داخل الثالوث بخصوص الإنسان دون أن يعلم الإنسان بل دون أن يسأل الإنسان فالله يعطينا ويحبنا ويدبر لنا حتي دون أن نسأل. هذه إرادة الأب أن نكون عروساً لإبنه. والروح القدس هو الذي صنع هذا بدءاً بتجسد المسيح حتي الأسرار السبعة ضع يدك تحت فخذي : هو أسلوب القسم وهذا يعني أنه يضع يده تحت علامة العهد مع الله وهي الختان كمن يشهد الكتاب المقدس علي كلامه كعلامة العهد الجديد. والمعني كما أن عهد الله لا يتغير في طبيعته وأن الله لا يتغير ولا يغير في وعوده هكذا يكون من يحلف بهذا الأسلوب ملتزماً بوعوده وإلا خسر بركات الله. وهذه الطريقة للقسم تشير أيضاً أنه قسم بالمتجسد من نسله فكلمة فخذ تترجم صلب بمعني مصدر النسل (تك 26:46) وكأن إبراهيم بروح النبوة وبالإعلانات التي أعلنت له فهم أن المسيح سيأتي من نسله.
أية 3:
" 3 فاستحلفك بالرب اله السماء واله الارض ان لا تاخذ زوجة لابني من بنات الكنعانيين الذين انا ساكن بينهم "
لم يهتم إبراهيم أن يزوج إبنه بمن لها مركز سياسي أو أن تكون جميلة. بل إذ خرج هو من أور لينعزل عن عبادة الأوثان لم يرد أن يزوج ابنه لن تجذبه للخطية.
أية 5:
" 5 فقال له العبد ربما لا تشاء المراة ان تتبعني الى هذه الارض هل ارجع بابنك الى الارض التي خرجت منها "
نلاحظ هنا إهتمام كبير البيت بتفاصيل الإتفاق الذي يحلف عليه وذلك لاهتمامه بالحلف. هل أرجع بإبنك إلي الأرض التي خرجت منها = أي أور أو حاران.
أية 6:
" 6 فقال له ابراهيم احترز من ان ترجع بابني الى هناك "
رفض إبراهيم عرض عبده لأنه خاف أن يعود إسحق لأور فيفضل البقاء فيها. ولقد كان من عادة العظماء أن يرسلوا رسلاً ليخطبوا لأبنائهم.
أية 7:
" 7 الرب اله السماء الذي اخذني من بيت ابي ومن ارض ميلادي والذي كلمني والذي اقسم لي قائلا لنسلك اعطي هذه الارض هو يرسل ملاكه امامك فتاخذ زوجة لابني من هناك "
يرسل ملاكه أمامك : هو يطمئن عبده أن هذه المهمة ستكون بتدبير من الله ومساعدته.
أية 10:
" 10 ثم اخذ العبد عشرة جمال من جمال مولاه ومضى وجميع خيرات مولاه في يده فقام وذهب الى ارام النهرين الى مدينة ناحور "
مدينة ناحور : غالباً حين هاجر إبراهيم إلي كنعان بعد موت تارح أبيه جاء ناحور إلي هذا المكان حتي يرث أملاكهما (أملاك تارح أبيه فتارح هو أبو أبراهيم وناحور) وجميع خيرات مولاه، العبد يشير للروح القدس الذي يعطينا بسخاء ولا يعير، ثمار ومواهب… وهو أتي ليحملنا كعروس لعريسنا السماوي يسوع لنوجد معه إلي الأبد وهو يحملنا خلال معونته لنا في تنفيذ الوصايا (الوصايا العشر = عشرة جمال). الروح القدس الذي يهبنا هنا السلام والفرح وشبع النفس يقدم هذا كعربون للتمتع بالخيرات الأبدية. هنا تنعم بنصيب من المهر لا بالمهر كله فالمهر كله " لم تراه عين ولم تسمع به أذن ولا حظر علي قلب بشر" 1كو 9:2 وما سنأخذه الخلود وتسابيح الملائكة والخلاص من الموت والتحرر من الخطية وميراث الملكوت العظيم والبر والتقديس والخلاص من الشرور الحاضرة وما نحصل عليه الآن ليس سوي العربون الذي يسحب قلوبنا للسماء فنشتاق إلي أن نحصل علي أكثر.
أية 11:
" 11 واناخ الجمال خارج المدينة عند بئر الماء وقت المساء وقت خروج المستقيات "
عند بئر الماء : تشير لمياة المعمودية التي فيها نولد من الماء والروح ومرة أخري تقابل إسحق مع رفقة عند بئر الماء (أية 62) فالمسيح لا يجد الكنيسة ولا الكنيسة تجد المسيح إلا بسر المعمودية. وقت السماء : مساء هذا العالم وفي انتظار مجئ المسيح شمس البر.
أية 12:
" 12 وقال ايها الرب اله سيدي ابراهيم يسر لي اليوم واصنع لطفا الى سيدي ابراهيم "
لقد تعلم العبد من سيده إبراهيم وها هو يبدأ مهمته بالصلاة ليعينه الله. وبعد الإختيار (أية 48) نجده يقدم الشكر لله علي نجاح طريقه. (أية 26) أي مع كل نجاح يقدم صلاة شكر لله.
أية 14:
" 14 فليكن ان الفتاة التي اقول لها اميلي جرتك لاشرب فتقول اشرب وانا اسقي جمالك ايضا هي التي عينتها لعبدك اسحق وبها اعلم انك صنعت لطفا الى سيدي "
هذا الإنسان الروحي وضع علامة لطيفة بها يظهر وداعة البنت وإستعدادها للخدمة ولم يضع علامة أن تكون جميلة أو غنية، بل وديعة ولها روح الخدمة.
الأيات 15-21:
" 15 واذ كان لم يفرغ بعد من الكلام اذا رفقة التي ولدت لبتوئيل ابن ملكة امراة ناحور اخي ابراهيم خارجة وجرتها على كتفها 16 وكانت الفتاة حسنة المنظر جدا وعذراء لم يعرفها رجل فنزلت الى العين وملات جرتها وطلعت 17 فركض العبد للقائها وقال اسقيني قليل ماء من جرتك 18 فقالت اشرب يا سيدي واسرعت وانزلت جرتها على يدها وسقته 19 ولما فرغت من سقيه قالت استقي لجمالك ايضا حتى تفرغ من الشرب 20 فاسرعت وافرغت جرتها في المسقاة وركضت ايضا الى البئر لتستقي فاستقت لكل جماله 21 والرجل يتفرس فيها صامتا ليعلم اانجح الرب طريقه ام لا "
لقد طلب علامة روحية فأعطاه الله ما طلبه بل كانت البنت جميلة ومن عائلة إبراهيم. حقا فالله يسهل الأمور وهو الذي يرشد ويقود ويعطي أكثر مما نظن أو نفتكر. المسقاة : هو المكان الذي يوضع فيه ماء للماشية. لذلك كان عليها التردد بين البئر والمسقاة عدة مرات حتي تسقي كل الجمال واليعازر يتأمل كيف أن الله في محبته إستجاب لصلاته.
أية 22:
" 22 وحدث عندما فرغت الجمال من الشرب ان الرجل اخذ خزامة ذهب وزنها نصف شاقل وسوارين على يديها وزنهما عشرة شواقل ذهب "
نصف شاقل : هذا هو المهر الذي دفعه اسحق ليخطب رفقة. وماذا قدم لنا المسيح؟ لقد قدم دمه كفارة ليخطبنا. ولقد كان اليهودي يدفع ½ شاقل فضة كفارة سنأتي للحديث عنها في سفر الخروج. المهم أن ½ الشاقل هذا يرمز للكفارة بدم المسيح. وهو ذهب فالمسيح سماوي. والخزامة توضع في الأنف رمزاً لتقديس الحواس. وسوارين علي يديها وزنهما 10 شواقل : رقم 10 يشير للوصايا وكون السوارين علي اليدين رمزاً لتقديس الأعمال طبقاً للوصايا العشر. هذا واجب العروس ان تتسم بالطابع السماوي (الذهب) فتتقدس حواسها وأعمالها لتستحق ان تكون عروساً للمسيح. والحواس المدربة هذا من عمل الروح القدس. وإعطاء هدايا لرفقة نجد له صورة جميلة في رسالة أفسس 8:4 إذ صعد إلي العلاء سبي سبياً وأعطي الناس عطايا.
أية 31:
" 31 فقال ادخل يا مبارك الرب لماذا تقف خارجا وانا قد هيات البيت ومكانا للجمال "
نجد فيها أن لابان له نفس الطريقة المهذبة التي لرفقة أخته.
أية 34:
" 34 فقال انا عبد ابراهيم "
العبد هنا يشهد لعظمة مولاه وهذا ما يعمله الروح القدس أنه يشهد للمسيح وعن مجده وعظمته ومحبته ليجذبنا إليه وكيف أن الأب أعطي كل شئ للأبن يو 13:16-15.
أية 36:
" 36 وولدت سارة امراة سيدي ابنا لسيدي بعدما شاخت فقد اعطاه كل ما له "
إبراهيم أعطي كل غناه لإسحق إبنه وكل ما للأب أعطاه للأبن يو 13:16-15.
أية 33:
" 33 ووضع قدامه لياكل فقال لا اكل حتى اتكلم كلامي فقال تكلم "
إذ يدخل البيت لا يريد ان تلهيه المجاملات عن عمله ورسالته فهو له هدف واضح لذلك قال السيد المسيح موصياً تلاميذه لا تسلموا علي أحد في الطريق ولا تنتقلوا من بيت إلي بيت لو 7،4:10.
أية 50:
" 50 فاجاب لابان وبتوئيل وقالا من عند الرب خرج الامر لا نقدر ان نكلمك بشر او خير "
الرب الذي دبر الأمر كله هو أقنع لابان ثم رفقة بالقبول. لقد أدرك الكل أن الأمر صدر من عند الرب.
أية 55:
" 55 فقال اخوها وامها لتمكث الفتاة عندنا اياما او عشرة بعد ذلك تمضي "
أياماً أو عشرة : كانوا يقسمون الشهر لثلاث أقسام كل منها عشرة أيام فيكون المقصود أن تقضي معنا الأيام المتبقية من العشرة الأولي أو أن تقضي العشرة الأيام التالية كاملة.
أية 58:
" 58 فدعوا رفقة وقالوا لها هل تذهبين مع هذا الرجل فقالت اذهب "
نجد هنا حرية الإختيار فالزواج ليس غصباً عن البنت. ونحن كعروس للمسيح لسنا مجبرين أن نسير وراءه. لكن رفقة حين سمعت عن مجد اسحق قالت أذهب وياليتنا نفعل مثلها.
أية 61:
" 61 فقامت رفقة وفتياتها وركبن على الجمال وتبعن الرجل فاخذ العبد رفقة ومضى "
غالباً طوال الرحلة كان العبد يحكي لرفقة عن اسحق ليلهب أشواقها إليه (هذا عمل الروح القدس) وكما إنطلقت رفقة تاركة بيت أبيها هكذا صنعت الكنيسة تاركة عالمها الوثني وسارت وراء المسيح.
الأيات 62،63:
" 62 وكان اسحق قد اتى من ورود بئر لحي رئي اذ كان ساكنا في ارض الجنوب 63 وخرج اسحق ليتامل في الحقل عند اقبال المساء فرفع عينيه ونظر واذا جمال مقبلة "
كانت عادة عند اليهود أن يخرجوا للتأمل والصلاة عند الغروب. وكما خرج اسحق عند المساء. هكذا خرج المسيح عند المساء إلي صليبه ليموت عليه. واسحق قابل رفقة عن بئر الماء والمسيح أعطانا مياه المعمودية لنموت معه فيها ونقوم وبهذا نصبح عروساً له، فرفقة رمز للكنيسة. ولأن رفقة رمز الكنيسة لم يذكر الكتاب حادثة موت رفقة فالكنيسة لن تموت. وما ذكر في تك 31:49 يكون إشارة للموت بالجسد. فنحن لم نعرف متي وأين وكيف ماتت رفقة.
أية 64:
" 64 ورفعت رفقة عينيها فرات اسحق فنزلت عن الجمل "
لا يمكن أن نتقابل مع المسيح إن لم نتضع وننزل فهو قد إتضع. ولا نقابله سوي بالإتضاع.
أية 65:
" 65 وقالت للعبد من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا فقال العبد هو سيدي فاخذت البرقع وتغطت "
سؤال رفقة عن إسحق. هو سؤالنا عن المسيح والروح القدس هو الذي يخبرنا عنه وكانت العادة الشرقية أن العروس تضع برقعاً أمام عريسها حتي تتزوج منه علامة للخضوع له.