الأصحاح الثامن والعشرون
ظهرت عناية الله بأولاده بصورة واضحة ومتكررة وبخاصة في حياة يعقوب. فالله لا يترك أولاده ويتخلي عنهم أن بدرت منهم أخطاء بل يؤدبهم بضيقات يسمح بها حتي ينزع منهم شرورهم. ويعقوب بالرغم من ضعفاته ومكره كان مشتاقاً للبركة، عينه علي السماء وعلي الله. وكل من كان مثله لا يتركه الله بل يجذبه ويعتني به بالرغم من خطاياه (تك 15:48) ويستمر الله سامحاً له ببعض الألام حتي يتكمل. فهو كان معتمداً علي مكره وذكائه. ونجد الله قد سمح له بالألام حتي يتخلي عن هذا ويلقي كل رجاؤه وإعتماده علي الله.
رحلة يعقوب إلي خاله لابان وزواجه من محبوبته راحيل تمثل تجسد المسيح وقدومه إلينا إلي أرض غربتنا ليتخذنا له عروساً. أما إسحق في زواجه من رفقة فيمثل المسيح في سمائه الذي أرسل لنا ليصعدنا إليه في سمائه. علي أننا نجد راحيل وقد أخذها يعقوب إلي كنعان ولكنها ماتت في الطريق علي رجاء القيامة وهذا ما يحدث معنا الآن فنحن نموت إنتظاراً للقيامة. أما رفقة التي تمثل الكنيسة في السماء وستكون حية للأبد، لا يذكر موتها أي موت رفقة.
أية 1:
" 1 فدعا اسحق يعقوب وباركه واوصاه وقال له لا تاخذ زوجة من بنات كنعان "
لقد بارك إسحق يعقوب من قبل بخدعة والآن يباركه بعد أن علم أن الأمر من قبل الرب.
أية 4:
" 4 ويعطيك بركة ابراهيم لك ولنسلك معك لترث ارض غربتك التي اعطاها الله لابراهيم "
لترث أرض غربتك: فيها إيمان إسحق بأن يرث نسله أرض الموعد وهذا الإيمان أيضاً كان لرفقة حين قالت ليعقوب أن يبقي في فدان أرام أياماً قليلة (45،44:27).
أية 5:
" 5 فصرف اسحق يعقوب فذهب الى فدان ارام الى لابان بن بتوئيل الارامي اخي رفقة ام يعقوب وعيسو "
رفقة أم يعقوب وعيسو: هنا حسب يعقوب البكر وذكر اسمه أولاً. جمهوراً من الشعوب (اية 4) تعني هنا جماعة مختارة لمقاصد دينية وترجمت باليونانية كنيسة وأصبحت إسماً لشعب إسرائيل "جماعة إسرائيل" لا 17:16.
الأيات 6-9:
" 6 فلما راى عيسو ان اسحق بارك يعقوب وارسله الى فدان ارام لياخذ لنفسه من هناك زوجة اذ باركه واوصاه قائلا لا تاخذ زوجة من بنات كنعان 7 وان يعقوب سمع لابيه وامه وذهب الى فدان ارام 8 راى عيسو ان بنات كنعان شريرات في عيني اسحق ابيه 9 فذهب عيسو الى اسماعيل واخذ محلة بنت اسماعيل بن ابراهيم اخت نبايوت زوجة له على نسائه "
عيسو يحاول إسترضاء أبيه وأمه بهذا الزواج.
الأيات 10-15:
" 10 فخرج يعقوب من بئر سبع وذهب نحو حاران 11 وصادف مكانا وبات هناك لان الشمس كانت قد غابت واخذ من حجارة المكان ووضعه تحت راسه فاضطجع في ذلك المكان 12 وراى حلما واذا سلم منصوبة على الارض وراسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها 13 وهوذا الرب واقف عليها فقال انا الرب اله ابراهيم ابيك واله اسحق الارض التي انت مضطجع عليها اعطيها لك ولنسلك 14 ويكون نسلك كتراب الارض وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوبا ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الارض 15 وها انا معك واحفظك حيثما تذهب واردك الى هذه الارض لاني لا اتركك حتى افعل ما كلمتك به "
هذه الرؤيا كانت ليعقوب المدلل من أمه الهارب من وجه عيسو محروماً من بيته وعاطفة أبويه، سائراً في برية وحده، واضعاً رأسه علي حجر لينام وسط مخاوفه، كانت هذه الرؤيا تشجيعاً له وإعلانا من الله أنه لن يتركه وحده بل هو في حمايته وملائكته تحيطه والسماء ليست مغلقة أمامه بالرغم من خطأه. لم ينعم يعقوب برؤيا مثل هذه في بيته."
معني الرؤيا: هذه الرؤيا تشير لتجسد المسيح فهو الذي بتجسده صالح السمائيين والأرضيين وهذا معني الملائكة الصاعدة والنازلة فالمسيح فتح السماء (يو 51:1). ويشير السلم للعذراء فالمسيح تجسد من بطنها وللصليب الذي به تم الفداء. ويعقوب يشير للسيد المسيح الذي أرسله أبوه إسحق (الأب) ليأخذ له عروساً (الكنيسة) تاركاً بنات المنطقة (اليهود) أع 46:13. وقد ظهرت هذه الرؤيا ليعقوب قبل أن يأخذ راحيل زوجة. فالصليب كان أولاً ثم قدم المسيح دمه مهراً لعروسه. فوعود الله ليعقوب في هذه الرؤيا كانت تناسب حاضر يعقوب ومستقبله (الكنيسة). والحجر تحت رأس يعقوب يشير للمسيح كحجر تبني عليه الكنيسة بعد أن صار رأساً للزاوية. أي بعد تجسده. والرب واقف عليها: بكونه السماوي فهو السماوي قد تجسد ليؤسس الكنيسة عليه وإذا كان الصليب يشير له السلم والسلم يستخدم للصعود والنزول. فالقديسين حينما يحملون صليبهم يرتفعون للسماويات والأشرار بجحدهم للمسيح المصلوب ينزلون للهاوية. والملائكة الصاعدة والنازلة تشير لإهتمام السماويين بنا وأن مشورات الله في السماء تنفذ هنا علي الأرض والمسيح علي رأس السلم فهو فوق الكل وضابط الكل يسندنا ويرفعنا اليه.
أية 16:
" 16 فاستيقظ يعقوب من نومه وقال حقا ان الرب في هذا المكان وانا لم اعلم "
الرب في هذا المكان: ربما ظن يعقوب ان الله لا يمكن أن يقابله سوي عند مذبح العائلة.
أية 17:
" 17 وخاف وقال ما ارهب هذا المكان ما هذا الا بيت الله وهذا باب السماء "
هل نحس بهذه الرهبة ونحن في الكنيسة أو في الهيكل أو ونحن نصلي فبيت الله هو الكنيسة.
الأيات 18-22:
" 18 وبكر يعقوب في الصباح واخذ الحجر الذي وضعه تحت راسه واقامه عمودا وصب زيتا على راسه 19 ودعا اسم ذلك المكان بيت ايل ولكن اسم المدينة اولا كان لوز 20 ونذر يعقوب نذرا قائلا ان كان الله معي وحفظني في هذا الطريق الذي انا سائر فيه واعطاني خبزا لاكل وثيابا لالبس 21 ورجعت بسلام الى بيت ابي يكون الرب لي الها 22 وهذا الحجر الذي اقمته عمودا يكون بيت الله وكل ما تعطيني فاني اعشره لك "
نجد هنا إثبات أهمية التقليد في الكنيسة. فمن أين عرف يعقوب ان يصب زيتاً علي الحجر لتكريس المكان ليصبح بيتاً لله ومن أين عرف فكرة العشور. إلا أن الله سلم هذا للأباء ابتداء من آدم حتي إبراهيم وإسحق ويعقوب ثم جاءنا ناموس موسي ليؤيد الناموس الشفهي (التقليد) المسلم للأباء شفاهة. وإقامة عمود في هذا المكان ليكون شاهداً علي هذه الرؤيا. لوز وبيت إيل : يش 2،1:16. لوز كانت قريبة من بيت إيل والمعني أن يعقوب كان خلال هذه الرؤيا يبيت في مكان قرب لوز. ثم أطلق علي المكان بيت إيل ثم بعد هذا صارت بيت إيل ولوز مكاناً واحداً بعد أن إتسعت الرقعة وصار اسم المكان كله بيت إيل.