الإصحاح الثاني عشر
بعد الطوفان تعاملت البشرية مع الله كخصم وليس كصديق محب، وبحث الله عن إنسان يستحق أن يتمتع بالدعوة ليكون أباً لشعب الله الذي يأتي منه المسيح. ووجد أبرام فدعاه ليعتزل شعبه لينطلق بالبشرية في علاقتها مع الله ببداية جديدة. وأبرام تعني أب مكرم أو أب سام وحينما غير الله إسمه جعله إبراهيم وهذه تعني أباً لجمهور كثير فهو أب الأباء وأب جميع المؤمنين. وهو أب الشعب الذي سيأتمنه الله علي الخلاص المزمع أن يحدث.
وأور بلد إبراهيم كانت عاصمة الكلدانيين وكانت مركزاً لعبادة الأوثان. وعاش فيها إبراهيم مع أبيه تارح (في جنوب بابل). كانت علي ساحل الخليج الفارسي في أيام إبراهيم ثم ردم الطمي جزءاً من الخليج فصارت الأن للداخل. وحينما كانت علي الخليج كانت مركزاً تجارياً ساحلياً وهناك إنتشر الغني مع الرجاسات وإشتهرت بالهها "نانار" إله القمر الذي إشتهرت عبادته بالرجاسات المرة. وهكذا كانت حاران أيضا مركزاً لعبادة إله القمر. ولذلك نجد أن إبراهيم لم يحصل علي أية إعلانات أثناء فترة تواجده في أماكن الشر.
ولم يوجد وسط المنطقة كلها، بل في العالم في ذلك الحين من يعبد الله بالحق سوي أبرام الذي بقي شاهداً لله وإجتذب إليه زوجته ساراي ولوط إين أخيه.
وإذا رأي الله أمانة إبرام دعاه للخروج من أور فخرج ومعه تارح أبيه ولوط وساراي ولكن تارح عطله فترة طويلة في حاران. وبعد موت تارح كرر الله الدعوة لإبرام ونجد سفر التكوين يحكي لنا عن هذه الدعوة في حاران بينما كشف أسطفانوس عن دعوة الله لإبراهيم في أور (أع 2:7). وإستجابة أبرام لله تعبر عن إيمانه العجيب بأن الله قادر أن يخرج حياة من الموت. هذا هو الإيمان الظاهر في حياته. وهذا هو الإيمان الذي يحتاجه كل خاطئ.
1. خروجه وهو في سن كبير (75) سنة من مدينة معروفة إلي برية ومكان مجهول، لم يسأل كيف يعوله الله في البرية وهو في هذه السن الكبيرة. والبرية القاحلة تعني الموت لكن الله قادر أن يحييه في غربته وفي هذه البرية.
2. إيمانه بأن الله قادر أن يحيي مستودع سارة الميت.
3. إيمانه بأن الله قادر أن يقيم أسحق ويكون له نسل منه حتي لو قدمه محرقة عب 19:11.
4. وكانت عائلة إبراهيم عائلة مؤمنة بلا شك ولكن تسلل إليها بعض العادات الوثنية من الجيران الوثنيين فنحن نجد لابان بعد ذلك له ألهته (تماثيله الوثنية التي يعتقد في بركتها) فهو يعبد الله لكن لا مانع من وجود هذه التماثيل. وكان الله بدعوته لإبراهيم يحافظ علي نسله من تسلل هذه العبادات إليهم. وقد أثر إبراهيم علي من حوله وإجتذبهم لعبادة الله ومنهم من إرتقي خطوة كتارح الذي خرج معه لكنه لم يكمل الطريق. ومنهم من إرتقي لخطوة أكبر من تارح كلوط الذي خرج من حاران مع إبراهيم لكنه سقط بعد ذلك في محبة العالم وإختار النصيب العالمي. هؤلاء كانت قوتهم الدافعة للخروج هي إيمان إبراهيم وليس إيمانهم الشخصي. هؤلاء كل منهم سقط في مكان فتارح سقط ومات في حاران أما لوط الذي كانت محبة العالم في قبله فسقط في سدوم (أين نحن؟).
وفي أش 2،1:51 "إنظروا إلي الصخر الذي منه قطعتم إنظروا إلي إبراهيم أبيكم
وإلي نقرة الجب التي منها حفرتم وإلي سارة التي ولدتكم."
الصخر هنا هو إيمان إبراهيم الذي آمن بأن مستودع سارة الميت (نقرة الجب) يعطي حياة.
أية 1:
" 1 وقال الرب لابرام اذهب من ارضك ومن عشيرتك ومن بيت ابيك الى الارض التي اريك "
ليس من السهل أن يحتفظ الإنسان بالله والأرض في وقت واحد. وهذه الدعوة الألهية موجهة لكل نفس بشرية حتي تنطلق من محبة العالم والذات (الأنا) من محبة العادات والخطايا القديمة. هي دعوة للغربة عن العالم ولتطبيق الأية "أنا صلبت للعالم والعالم صلب لي". بهذا تلتقي النفس بالله وتعيش معه في أحضانه "أميلي أذنك وانسى شعبك وبيت أبيك مز 45" من أرضك: الدائرة الواسعة التي تعيش فيها أي كل أرض الكلدانيين ومن عشيرتك: الدائرة الأصغر: أي القبيلة التي تنتمي إليها ومن بيت أبيك: هي أصغر دائرة. فيمن يعتزل يعتزل كل شئ. إلي الأرض التي أريك: لقد أعطي الله لإبرام وعداً بأرض أفضل لكنه لم يحددها ولم يكن إبرام قد رآها. لكنه صدق الله بالإيمان. فهل نصدق أننا لو تركنا خطايانا نرث السماء التي هي أفضل. الإيمان لا يخدع لكن حواسنا تخدعنا. وبالإيمان يفتح الله عيوننا علي الأمور غير المنظورة ونتمتع بمعرفة الله فنزداد إقتناعاً بترك العالم فتزداد بصيرتنا وهكذا ننتقل من إيمان لأيمان أعظم.
أية 2،3:
" 2 فاجعلك امة عظيمة واباركك واعظم اسمك وتكون بركة 3 وابارك مباركيك ولاعنك العنه وتتبارك فيك جميع قبائل الارض "
مع كل دعوة أو وصية هناك وعد يقدمه الله (2كو 18،17:6 + رؤ 2،3) من يغلب أعطيه…. كذا وكذا. فالله إذا حرم إنسان من شئ يعوضه أضعاف. فالله حرم إبرام من أهله وعشيرته وها هو يعده بأن أجعلك أمة عظيمة. وهو ترك أور العظيمة يومها والله يقدم له وعداً وأباركك وأعظم أسمك : وأين عظمة أور اليوم التي تركها ابراهيم من العظمة التي صارت لإبراهيم في كل العالم وفي كل العصور. وهو ترك غني أور والله يعده تكون بركة: هو يبارك من حوله ويبارك المكان الذي يوجد فيه. هو ترك أور فأعطاه الله كنعان كلها وحرم من عائلته فصار أبا للمؤمنين. فقد حماية أور بأسوارها المنيعة فصار له الله سوراً من نار: أبارك مباركك ولاعنك العنه. ونأتي لأعظم بركة نالها إبراهيم وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض : هذا هو وعد الخلاص وبأن المسيح يأتي من نسله لذلك قال وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض: هذا هو وعد الخلاص وبأن المسيح يأتي من نسله لذلك قال فيك ولم يقل بك. فالإنسان الذي يتخلي عن شئ من أجل الله لا يعيش محروماً بل هو يأخذ الكثير فالله لا يقبل أن يكون مديناً لإنسان بل هو يعطي بسخاء ولا يعير. وهذه البركة الأخيرة تشير إلي أن من يتخلي عن شئ يعطيه الله أن يأخذ ولحساب الجماعة فهو أخذ أن يأتي المسيح من نسله. وكل من قدم توبة حقيقية ينعم بتجلي المسيح فيه فيكون بركة لكثيرين. هذا هو معني "أنتم ملح الأرض… أنتم نور العالم" والوعد لإبراهيم أجعلك أمة عظيمة تحقق في الأمة الإسرائيلية وأنها ترث كنعان والوعد بالبركة لكل العالم صار فيه إبراهيم أباً لكل المؤمنين الذين يتشبهوا به ويؤمنون.
الأيات 4، 5:
" 4 فذهب ابرام كما قال له الرب وذهب معه لوط وكان ابرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران 5 فاخذ ابرام ساراي امراته ولوطا ابن اخيه وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس التي امتلكا في حاران وخرجوا ليذهبوا الى ارض كنعان فاتوا الى ارض كنعان "
ليتنا لا نكون مثل تارح نخرج من أور ولا نكمل الطريق إلي كنعان السماوية، وياليتنا لا يكون لنا تارح يعطلنا عن المسير.
أية 6: " 6 واجتاز ابرام في الارض الى مكان شكيم الى بلوطة مورة وكان الكنعانيون حينئذ في الارض "
بلوطة مورة: تعني بلوطة المعلم وربما أخذت اسمها من معلم ديني أي مدرس كان يجلس تحتها. ويقال أنها تعني بلوطة العراف. وشكيم هي نابلس علي بعد 65 كيلومتر من أورشليم وهي أول بلد بلغها إبراهيم في أرض كنعان.
وكان الكنعانيون هناك: تاريخياً تشير هذه الجملة إلي أنه في هذا الوقت كان الكنعانيون قد تسيدوا علي الأرض كلها. أو إلي أن موسي بروح الإيمان قبل أن يدخل الشعب لكنعان وبناء علي وعد الله أن هذه الأرض هي لنسل إبراهيم واسحق ويعقوب يقول هذا كأنه يري الأرض في يد شعب الله وكأنه بهذه العبارة يريد أن يقول الله وَعَدَ إبراهيم بالأرض لكن مازالت الأرض في يد الكنعانين علي رجاء حصول شعب الله عليها. وروحياً يشير هذا للمقاومة التي يجدها أولاد الله في الكنيسة التي تشير إليها كنعان فليس معني التوبة والرجوع للكنيسة أن مقاومة إبليس ستنتهي وتكون الجملة= وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض تعني وكان إبليس حينئذ يحارب أولاد الله. فالكنيسة التي تحيا في السماويات مازالت علي الأرض لذلك يحاربها إبليس (أف 12:6). وليس معني وصول إبراهيم لكنعان هلاك الكنعانيين فوراً بل هناك بعض الحروب لكن كان الله يظهر له ويعزيه (أية 7) ونحن يعطينا الله نصرة وغلبة علي الشيطان ويعطينا سلاماً وفرحاً وصبراً علي هذه الحروب.
أية 7:
" 7 وظهر الرب لابرام وقال لنسلك اعطي هذه الارض فبنى هناك مذبحا للرب الذي ظهر له "
هذه أول مرة يذكر فيها أن الله ظهر لبشر وهي أحد ظهورات المسيح قبل التجسد. وفي هذا المكان أقام أبرام مذبحاً للرب فتقدس الموضع بتقديمه ذبيحة شكر لله من أجل وصوله سالماً.
أية 8:
" 8 ثم نقل من هناك الى الجبل شرقي بيت ايل ونصب خيمته وله بيت ايل من المغرب وعاي من الشرق فبنى هناك مذبحا للرب ودعا باسم الرب "
لاحظ أنه يكرر بناء مذبح للرب حينما إنتقل إبرام لمكان جديد فالمذبح لم يكن يفارقه.
أية 9:
" 9 ثم ارتحل ابرام ارتحالا متواليا نحو الجنوب "
إرتحالاً متوالياً: نحن في غربتنا في هذا العالم علينا أن نكون في إرتحال متوالي ناحية كنعان السماوية لا تعوقنا أتعاب العالم ولا مغريات العالم.
أية 10:
" 10 وحدث جوع في الارض فانحدر ابرام الى مصر ليتغرب هناك لان الجوع في الارض كان شديدا "
هذه أول مجاعة تذكر في الكتاب المقدس ومن المؤكد أن سببها هو شر سكان الأرض وكانت المجاعات تتكرر في أرض كنعان وكان العلاج هو النزول إلي مصر حيث نهر النيل. وهكذا صنع إبراهيم دون إن يستشير الرب الذي كان قادراً أن يعوله كما فعل مع إيليا. وهذا الخطأ يمثل خطأ من تاب لكنه سرعان ما يعتمد علي الذراع البشري فيطلب المعونة الإنسانية وليس المعونة الإلهية. ولم يكن في مصر مذبح بناه إبرام فهو يبحث عن شبع البطن ومشكلتنا أننا نبحث عن الراحة الخارجية وليس عن السلام الداخلي الذي يتحقق باللقاء مع الرب عند المذبح مذبح الصلاة والشكر. [ بالرغم من خطأ إبراهيم إلا أن أرض مصر تباركت بزيارته كما تباركت بعد ذلك بحفيده يعقوب ثم بأعظم الكل السيد المسيح. إلا أن هناك فرقاً بين نزول إبراهيم ونزول يعقوب. فيعقوب نزل إلي مصر بمشورة الله] لأن الجوع في الأرض كان شديداً: الجوع يؤثر في الأرض لكن أولاد الله السماويين لهم معاملة خاصة فالكتاب لم يقل أن إبراهيم جاع. أو إشتد عليه الجوع كما قال عن المصريين (تك 20:47) وقد يجوع الجسد لكن هناك سلاماً في النفس (مز 25:37) الله لا يتخلي عن أولاده ويعطيهم حياة سماوية وشبعاً أبدياً.
الأيات 11-13:
" 11 وحدث لما قرب ان يدخل مصر انه قال لساراي امراته اني قد علمت انك امراة حسنة المنظر 12 فيكون اذا راك المصريون انهم يقولون هذه امراته فيقتلونني ويستبقونك 13 قولي انك اختي ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من اجلك "
هذه هي سقطة أبرام الكبري. فإخفاء جزء من الحقيقة (أنها زوجته) يعتبر كذباً حتي لو كانت شقيقته من أبيه وليس من أمه. فهذا يعتبر خداع وكذب وضعف إيمان. والخداع هو نوع من الغواية يسقط فيه الإنسان ليحل مشكلة بطريقة سهلة فيجلب علي نفسه مشاكل عديدة. وبدء السقوط كان ضعف الإيمان الذي جعله ينزل إلي مصر. وهذا إمتد لضعف إيمان أن الله قادر علي حمايته وحماية زوجته. فالخطية تأتي ورائها بخطايا أخري. والنتيجة أنه حرم من زوجته.
الأيات 14 20:
" 14 فحدث لما دخل ابرام الى مصر ان المصريين راوا المراة انها حسنة جدا 15 وراها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون فاخذت المراة الى بيت فرعون 16 فصنع الى ابرام خيرا بسببها وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد واماء واتن وجمال 17 فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امراة ابرام 18 فدعا فرعون ابرام وقال ما هذا الذي صنعت بي لماذا لم تخبرني انها امراتك 19 لماذا قلت هي اختي حتى اخذتها لي لتكون زوجتي والان هوذا امراتك خذها واذهب 20 فاوصى عليه فرعون رجالا فشيعوه وامراته وكل ما كان له "
العجيب أن ما كان إبرام عاجراً عن أعلانه بأن ساراي زوجته أعلنه الله لفرعون ليردها إليه دون أن يمسها، بل ونال غني وكرامة. فالله في محبته لا يحاسب الإنسان حسب ضعفاته. ويفهم من الكلام أن الله ضرب فرعون بضربات لا نعرفها، المهم أنها أي الضربات أستطاعت أن تقنع فرعون بأن الله غاضب إذ هو حاول أن ينال من ساراي. وربما أفهمت ساراي فرعون أنها زوجة إبرام وطلبت منه أن لا يمسها. وربما حاول فرعون فضربه الله. المهم أن الله في محبته لم يقبل أن يعيش إبرام معذب الضمير كل حياته في حالة أن فرعون مس ساراي زوجته. لذلك حفظها الرب من يدي فرعون بل ورد لأبرام غني وكرامة (مز 10:103،11) فالله يخرج من الجافي حلاوة. لقد كان إبرام احد خائفي الرب ومحبيه لذا تمتع بالمراحم التي تعلو علي الأرض (مز 15:105) وتوبيخ فرعون لأبرام يشبه توبيخ البحارة ليونان النبي وهو شئ يدعو للأسف
وهنا تشابه بين ما حدث لإبراهيم ونسله بعد ذلك.
1. كلاهما (إبراهيم ونسل يعقوب) ذهبوا لمصر بسبب المجاعة.
2. في الحالتين كانت هناك ضربات لفرعون وبيته.
3. كلاهما عادا محملين بالعطايا. (الله سمح بهذا ليدركوا محبته ورحمته).
وفي الأيات 20،19: نجد أن فرعون ورجاله أخرجوا أبرام. وهنا لم يظهر له الرب. وكان الرب يحدثه باللغة التي تناسبه في ذلك الحين. فحينما كان إيمان إبراهيم بسيطاً كلمه الرب. ولكن إذ لجأ لفرعون ليطعمه ترك الله فرعون يكلمه. هذه هي معاملات الله معنا. فعند ما صار بلعام جاهلاً ترك حماره يكلمه. وإذ كان المجوس مهتمين بالنجوم حدثهم بنجم عن ميلاد المسيح.